سورة يونس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قوله تعالى: {ولكل أمة رسول}، إخبار مثل قوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى} [الملك: 8] وقال مجاهد وغيره: المعنى فإذا جاء رسولهم يوم القيامة للشهادة عليم صير قوم للجنة وقوم للنار فذلك القضاء بينهم بالقسط وقيل: المعنى فإذا جاء رسولهم في الدنيا وبعث صاروا من حتم الله بالعذاب لقوم والمغفرة لآخرين لغاياتهم، فذلك قضاء بينهم بالقسط، وقرن بعض المتأولين هذه الآية بقوله {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [الإسراء: 15] وذلك يتفق إما بأن نجعل {معذبين} [الاسراء: 15] في الآخرة، وإما بأن نجعل القضاء بينهم في الدنيا بحيث يصح اشتباه الآيتين، وقوله {ويقولون متى هذا الوعد} إلى {يستقدمون}، الضمير في {يقولون} يراد به لكفار، وسؤالهم عن الوعد تحرير بزعمهم في الحجة، أي هذا العذاب الذي توعدنا حدد لنا فيه وقته لنعلم الصدق في ذلك من الكذب، وقال بعض المفسرين، قولهم هذا على جهة الاستخفاف.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يظهر من اللفظة، ثم أمره تعالى أن يقول لهم {لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله}، المعنى قل لهم يا محمد رداً للحجة إني {لا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً} من دون الله ولا أنا إلا في قبضة سلطانه وبضمن الحاجة إلى لطفه، فإذا كنت هكذا فأحرى أن لا أعرف غيبه ولا أتعاصى شيئاً من أمره، لكن {لكل أمة أجل} انفرد الله تعالى بعلم حده ووقته، فإذا جاء ذلك الأجل في موت أو هلاك أمة لم يتأخروا ساعة ولا أمكنهم التقدم عن حد الله عز وجل، وقرأ ابن سيرين {آجالهم} بالجمع.


المعنى: قال يا أيها الكفرة المستعجلون عذاب الله عز وجل {أرأيتم إن أتاكم عذابه} ليلاً وقت المبيت، يقال: بيت القوم القوم إذا طرقوهم ليلاً بحرب أو نحوها {أو نهاراً} لكم منه منعة أو به طاقة؟ فماذا تستعجلون منه، وأنتم لا قبل لكم به؟ وما ابتداء وذا خبره، ويصح أن تكون {ماذا} بمنزلة اسم واحد في موضع رفع بالابتداء وخبره الجملة التي بعده، وضعف هذا أبو علي وقال: إنما يجوز ذلك على تقدير إضمار في {يستعجل} وحذفه كما قال [أبو النجم]: [الرجز]
كله لم أصنع ***
وزيدت ضربت قال: ويصح أن تكون {ماذا} في حال نصب ل {يستعجل}، والضمير في {منه} يحتمل أن يعود على الله عز وجل، ويحتمل أن يعود على {العذاب} وقوله {أثم إذا ما وقع} الآية، عطف بقوله {ثم} جملة القول على ما تقدم ثم أدخل على الجميع ألف التقرير، ومعنى الآية: إذا وقع العذاب وعاينتموه آمنتم به حينئذ، وذلك غير نافعكم بل جوابكم الآن وقد كنتم تستعجلونه مكذبين به، وقرأ طلحة بن مصرف {أثَم} بفتح الثاء، وقال الطبري في قوله {ثُم} بضم الثاء، معناه هنالك وقال: ليست {ثُم} هذه التي تأتي بمعنى العطف.
قال القاضي أبو محمد: والمعنة صحيح على أنها {ثم} المعروفة ولكن إطباقه على لفظ التنزيل هو كما قلنا، وما ادعاه الطبري غير معروف و{الآن} أصله عند بعض النحاة آن فعل ماض دخلت عليه الألف واللام على حدها في قوله: الحمار اليجدع ولم يتعرف بذلك كل التعريف ولكنها لفظة مضمنة معنى حرف التعريف ولذلك بنيت على الفتح لتضمنها معنى الحرف ولوقوعها موقع المبهم لأن معناها هذا الوقت، وقرأ الأعمش وأبو عمرو وعاصم والجمهور {الآن} بالمد والاستفهام على حد التوبيخ، وكذلك {الآن وقد عصيت} [يونس: 91] وقرأها باستفهام بغير مد طلحة والأعرج. وقوله تعالى: {ثم قيل للذين ظلموا} الآية، هو الوعيد الأعظم بالخلود لأهل الظلم الأخص الذي هو ظلم الكفر لا ظلم المعصية، وقوله {هل تجزون} توقيف وتوبيخ، ونصت هذه الآية على أن الجزاء في الآخرة، هو على تكسب العبد، وقوله {ويسألونك} معناه يستخبرونك، وهي على هذا تتعدى إلى مفعولين: أحدهما الكاف، والآخر في الابتداء والخبر، وقيل هي بمعنى يستعلمونك، فهي على هذا تحتاج إلى مفعولين ثلاثة: أحدها الكاف، والابتداء والخبر يسد مسد المفعولين، و{أحق هو} قيل الإشارة إلى الشرع والقرآن، وقيل: إلى الوعيد وهو الأظهر، وقرأ الأعمش {الحق هو} بمدة وبلام التعريف، وقوله {إي}، هي لفظة تتقدم القسم وهي بمعنى {نعم} ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء، تقول: {إي وربي} وإي ربي {معجزين} معناه مفلتين، وهذا الفعل أصله تعدية عجز لكن كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب: أعجز فلان، إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه.


هذا إخبار للكفار في سياق إخبارهم بأن ذلك الوعد حق، {وأسروا} لفظة تجيء بمعى أخفوا، وهي حينئذ من السر، وتجيء بمعنى أظهروا، وهي حينئذ من أسارير الوجه، قال الطبري: المعنى وأخفى رؤساء هؤلاء الكفار الندامة عن سفلتهم ووضعائهم.
قال القاضي أبو محمد: بل هو عام في جميعهم و{ألا} استفتاح وتنبيه، ثم أوجب أن جميع {ما في السماوات والأرض} ملك لله تعالى، قال الطبري: يقول فليس لهذا الكافر يومئذ شيء يقتدي به.
قال القاضي أبو محمد: وربط الآيتين هكذا يتجه على بعد، وليس هذا من فصيح المقاصد، وقوله: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} قيد بالأكثر لأن بعض الناس يؤمن فهم يعلمون حقيقة وعد الله تعالى وأكثرهم لا يعلمون فهم لأجل ذلك يكذبون، وقوله و{هو يحيي} يريد يحيي من النطفة {ويميت} بالأجل ثم يجعل المرجع إليه بالحشر يوم القيامة وفي قوة هذه الآيات ما يستدعي الإيمان وإجابة دعوة الله، وقرأ {ترجعون} بالتاء من فوق الأعرج وأبو عمرو وعاصم ونافع والناس، وقرأ عيسى بن عمر {يرجعون} بالياء من تحت، واختلف عن الحسن.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10